الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

الجزائر على خارطة الطاقة العالمية

 

الطاقة
 الطاقة 

الجزائر على خارطة الطاقة العالمية

تشهد الساحة الطاقوية في الجزائر تحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية، تجسد في العودة اللافتة للشركات البترولية الأمريكية العملاقة، وعلى رأسها "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"أوكسيدنتال"، في مؤشر واضح على تجدد الثقة في المناخ الاستثماري الجزائري وإدراك متزايد للأهمية الاستراتيجية للجزائر كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي.

 هذه العودة لم تأت من فراغ، بل جاءت تتويجاً لجهود دبلوماسية واقتصادية مكثفة، وإصلاحات تشريعية عميقة، ورؤية استشرافية تضع الطاقة في صلب أولويات التنمية الوطنية.

وتُعد إكسون موبيل، المصنفة الأولى عالمياً في قطاع الطاقة، أحد أضخم التكتلات النفطية متعددة الجنسيات، حيث تنتشر عملياتها في أكثر من 50 دولة، وتتمتع بقدرات تكنولوجية وبحثية هائلة في مجال الاستكشاف والإنتاج، مع محفظة استثمارات تتجاوز المئات من مليارات الدولارات.

 أما شيفرون، فهي ثاني أكبر شركة طاقة أمريكية، وتمتلك خبرات متقدمة في مجال التنقيب البحري وتطوير الحقول غير التقليدية، وتقنيات متطورة في مجال الاحتجاز الجغرافي للكربون.

 في حين تبرز "أوكسيدنتال" كرائدة في تقنيات الاستخراج المعقدة والعمليات ذات الكفاءة التشغيلية العالية، مع تركيز خاص على مشاريع التقاط الكربون وتخزينه

عودة الشركات الأمريكية الكبرى واستراتيجيات التموقع في سوق واعد

وشكلت اتفاقية المبادئ الموقعة بين سوناطراك و"إكسون موبيل" في 23 ماي 2024 محطة مهمة في مسار التعاون الثنائي، حيث تمثلت في إطار تعاون شامل يمتد على طول سلسلة القيمة البترولية، مع تركيز خاص على تطوير موارد حوضَيْ أهنات وڤورارة، اللذين يعدان من أكثر الأحواض الواعدة في الجزائر.

 وجاء التوقيع مدعوماً بخطة طموحة ترتكز على ثلاث ركائز أساسية: التميز العملياتي، الابتكار التكنولوجي، والاستدامة البيئية، مع الالتزام بأعلى معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسساتية. وفي منحى موازٍ، أسست مذكرة التفاهم الموقعة مع "شيفرون" في 13 جوان 2024 لمنصة تشاور استراتيجية لدراسة فرص تطوير الموارد في حوضي أهنات وبركين، مع التركيز على نقل التكنولوجيا وتبني أفضل الممارسات البيئية.

وقد توجت هذه الجهود بتوقيع اتفاقية متخصصة في جانفي 2025 مع وكالة "النفط" لإنجاز دراسة شاملة للمناطق البحرية الجزائرية تمتد على 24 شهراً، تهدف إلى تقييم دقيق للإمكانات البترولية في الجرف القاري الجزائري، الذي يعد من بين المناطق الأقل استكشافاً في حوض البحر الأبيض المتوسط.

 وقد استقبل نور الدين داودي، الرئيس المدير العام الجديد لمجمع سوناطراك، في 30 أكتوبر 2025، وفداً رفيع المستوى من شركة "شيفرون" الأمريكية برئاسة فرانك ماونت، المدير التنفيذي لتطوير الأعمال المؤسسية، وذلك بمقر المجمع بالعاصمة، وتركزت المباحثات حول آفاق التعاون الثنائي ومستوى تقدم المحادثات الرامية إلى تفعيل اتفاقية المبادئ التي جرى توقيعها بين الطرفين في 13 جوان 2024

وتُعد هذه الاتفاقية إطاراً استراتيجياً لتطوير الموارد النفطية والغازية في المناطق ذات الاهتمام المشترك ضمن حوضي أهنات وبركين.

وجاء هذا اللقاء في إطار متابعة تنفيذ الشراكة الإستراتيجية بين سوناطراك و"شيفرون"، إحدى أكبر الشركات الطاقة العالمية المتعددة الجنسيات، والتي تمتلك خبرات تقنية متطورة في مجال الاستكشاف والإنتاج.

وقد عبر الجانبان، خلال الاجتماع، عن التزامهما الكامل بتعزيز هذا التعاون لتحقيق الاستغلال الأمثل للثروات الباطنية الوطنية، بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني ويعزز مكانة الجزائر كشريك موثوق في سوق الطاقة العالمية. تأتي هذه التحركات في إطار تحولات عميقة تشهدها خريطة الطاقة العالمية، حيث تسعى الجزائر لتعظيم استغلال مواردها الطاقوية في مرحلة تتميز بتناقص الاكتشافات البترولية الكبرى على المستوى العالمي، وتزايد الطلب على الغاز الطبيعي كوقود انتقالي، والحاجة الملحة لاستثمارات ضخمة في البنى التحتية للإنتاج والنقل، والتسارع التكنولوجي غير المسبوق في مجال الاستكشاف والاستخراج، خاصة في العمق البحري والطبقات غير التقليدية.

كما تواكب هذه التطورات التحول في السياسة الطاقوية الجزائرية نحو تبني نموذج أكثر انفتاحاً على الشراكة الدولية، مع الحفاظ على المصلحة الوطنية كمرجع أساسي.

وتمثل هذه الشراكات فرصة تاريخية للجزائر لتحقيق عدة أهداف استراتيجية، أهمها نقل المعرفة والتكنولوجيا في مجال الاستكشاف والإنتاج، وزيادة الاحتياطيات الوطنية من المحروقات، ورفع القدرات الإنتاجية وتحسين المردودية الاقتصادية، وتعزيز التموقع في الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية، التي تسعى لتنويع مصادر إمداداتها الطاقة بعد الأزمة الأوكرانية.

كما تفتح الباب أمام تطوير صناعات بتروكيماوية متكاملة، وخلق فرص عمل جديدة، وتدعيم القدرات المحلية في مجالات الهندسة والبحث والتطوير

 لكن نجاح هذه الشراكات يتوقف على عدة عوامل حاسمة، يأتي في مقدمتها استقرار الإطار القانوني والجبائي، وتطوير البنى التحتية اللازمة خاصة في المجالين البحري واللوجستي، وتأهيل الكفاءات المحلية عبر برامج نقل المعرفة، وتحقيق التكامل بين المشاريع الجديدة والاستراتيجية الوطنية للطاقة، مع ضمان التوازن بين متطلبات الاستثمار الأجنبي والمصالح الوطنية طويلة المدى.

 وتعكس عودة الشركات الأمريكية العملاقة للجزائر نضج الرؤية الطاقوية الوطنية وقدرتها على جذب استثمارات النخبة العالمية في قطاع المحروقات. هذه الشراكات لا تمثل مجرد عقود استثمارية، بل هي تحالفات استراتيجية تضع الجزائر في قلب المعادلة الطاقوية العالمية، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الصناعي والتكنولوجي يمكن أن تسهم في تحقيق النقلة النوعية المنشودة لاقتصاد الطاقة الوطني، وتعزيز مكانة الجزائر كقطب طاقوي إقليمي فاعل، وقوة اقتصادية صاعدة في حوض المتوسط والقارة الإفريقية

SHARE

Author: verified_user

0 Comments: