ما زال طلب السلطات الجزائرية من باريس تأجيل زيارة رئيس الحكومة الفرنسية جان كاستيكس التي كانت مقررة يوم السبت الماضي إلى الجزائر، يثير الكثير من التساؤلات حول خلفيات هذا القرار ودوافعه السياسية، وما إذا كان يمثّل مشروع أزمة سياسية جديدة بين البلدين، على الرغم من بعض الخطوات السياسية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً بملف الذاكرة بين البلدين، بعد إقراراته الأخيرة بمسؤولية بلاده عن اغتيال مناضلين جزائريين وفتح أرشيف ثورة الجزائر.
لم ينتبه الكثير من متابعي ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية، إلى تصريح مثير وغير مسبوق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل نحو أسبوع، قال فيه معلقاً على الزيارة التي كانت متوقعة لرئيس الحكومة الفرنسية إلى الجزائر، إنها "لن تفضي إلى معجزة، وهي مجرد زيارة تقنية ودورية". وإضافة إلى أن تصريحاً كهذا يوضح عدم حماسة السلطات الجزائرية لهذه الزيارة وتوقيتها والظروف التي تسبقها، مع إخفاق البلدين في تحقيق تقدّم في معالجات ملف الذاكرة، فإن التفسيرات الدبلوماسية تضع تصريحاً كهذا خارج السياقات المعتادة في التعبير الرسمي عن مستوى وطبيعة العلاقات بين البلدين، وتُبرز أن ثمة مشاكل دفعت تبون إلى خفض مستوى الاهتمام الجزائري بهذه الزيارة، سواء تمت أم لم تتم.
الطلب الجزائري الذي أعلن الجمعة الماضي لتأجيل زيارة كاستيكس، قبل يوم واحد من إجرائها، لم تُصدر بشأنه الحكومة الجزائرية بياناً تفصيلياً يوضح ظروف وملابسات هذا القرار الطارئ، بعض التسريبات أشارت إلى أن الجزائر بررت الطلب بضعف الوفد الوزاري غير المناسب الذي كان سيرافق كاستيكس، ما يعني استمرار تجميد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الجزائرية الفرنسية، والتي يرأسها رئيسا الحكومة في البلدين، وتجتمع سنوياً، لكنها لم تنعقد منذ آخر اجتماع لها في ديسمبر 2017، تزامناً مع زيارة لماكرون إلى الجزائر. وزاد تفجّر الحراك الشعبي في الجزائر في فبراير 2019 والظروف السياسية التي تلت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتشدد الخطاب الشعبي في التظاهرات، بسبب تصريحات مسؤولين فرنسيين إزاء الوضع في البلاد، وكذلك الخطاب الرسمي الذي تبنّاه قائد الجيش الراحل الفريق قايد أحمد صالح، ضد فرنسا، من تعقيدات العلاقات بين البلدين حتى الوقت الحالي.
وعلى الرغم من أن بعض الاتصالات الأخيرة بين تبون وماكرون، وخطوات مهمة اتخذها الرئيس الفرنسي بشأن معالجة ملف التاريخ والذاكرة العالق بين البلدين، وتسليم الجزائر 36 من جماجم المقاومين الجزائريين التي كانت مودعة في متحف الإنسان في باريس، وإقراره رسمياً بفتح أرشيف الثورة الجزائرية، واعترافه بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال المناضلين الجزائريين علي بومنجل وموريس أودان، أعطت الانطباع بأن العلاقات تسير في اتجاهات إيجابية وتتجه نحو تحقيق اختراق غير مسبوق في العلاقات الثنائية، إلا أن جملة من التطورات تبدو مؤثرة في ضرب هذا المسار مجدداً.
0 Comments: